كتب : أحمد عبد الحليم
حذّرت السفيرة د. نميرة نجم، مديرة المرصد الإفريقي للهجرة في الاتحاد الإفريقي وخبيرة القانون الدولي، من أن ضحايا الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين – سواء سافروا طوعًا أو قسرًا، بطريقة نظامية أو غير نظامية – يُتركون أحيانًا لمصيرهم في عرض البحر، وإن تُوفي أحدهم، تُلقى جثته في المياه وتلتهمها الأسماك، دون أن يُسجَّل أو يُعرف أنه كان على متن القارب، فيما يصل الناجون في حالة صدمة تمنعهم حتى من تذكُّر أو التبليغ عن فقدان أقاربهم ، ولفهم هذه المأساة الإنسانية يجب ان يتم عبر بيانات دقيقة وشاملة، موضحة أن أول ما يفعله العديد من المهاجرين غير النظاميين عند بدء رحلتهم هو التخلص من مستنداتهم، إن وُجدت، فيما يفتقر كثيرون منهم إلى أية وثائق من الأساس، مما يجعلهم عرضة للتهريب والاستغلال ويزيد من حالات انعدام الجنسية. وأشارت إلى أن التقرير العالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) وثّق أعدادًا ضخمة من الأطفال والنساء الذين يُستغَلّون خلال هذه الرحلات الطويلة عبر القارة الإفريقية ، جاءت تصريحات السفيرة خلال جلسة “الشراكة الدولية لتحسين بيانات الاتجار بالأشخاص” ضمن فعاليات منتدى إحصاءات الهجرة الدولي IFMS 2025، الذي عُقد في مدينة مالمو السويدية، بتنظيم مشترك من UNODC والمنظمة الدولية للهجرة IOM ومنظمة العمل الدولية ILO.
وأكدت نجم أن الظاهرة لا يمكن فصلها عن السياق الإفريقي، حيث لا تزال معظم الدول تفتقر إلى أنظمة تسجيل إلكترونية، سواء للمواليد أو الزيجات أو التحركات الحدودية، ما يجعل تتبع الهجرة وتحليل أنماطها شبه مستحيل. و قالت: “إذا كنتم في أوروبا، فالعملية مؤتمتة بالكامل (بشكل تلقائي باستخدام أنظمة إلكترونية)، أما في إفريقيا، فالحدود تُعبر يدويًا، وأحيانًا لا يُختم الجواز أصلًا، ويُسمح لك بالدخول لأنك تحمل علمًا دبلوماسيًا، دون تسجيل أو توثيق”.
و روت السفيرة موقفًا حصل معها عندما كانت سفيرة في إحدى الدول الإفريقية، حيث عبرت حدودًا برية وخُتم جوازها من جهة واحدة، بينما في الجهة الأخرى لم يُختم، فدخلت بدون تسجيل رسمي، الأمر الذي اضطر السلطات لاحقًا لختم الدخول والخروج في اليوم نفسه، لتغطية الفجوة الإدارية، مؤكدة أن هذا مثال بسيط على حجم الثغرات في جمع البيانات داخل القارة.
و أضافت نجم، أن هذه الفوضى الإدارية تؤدي إلى عجز السلطات عن تحديد من دخل أو غادر أو بقي داخل البلاد، مما يصعب عملية حماية المهاجرين، ويوفر بيئة خصبة لشبكات الاتجار والتهريب. ولفتت إلى أن البيانات ليست مهمة فقط لفهم الاتجار، بل لفهم أنماط الهجرة ككل، بما يشمل الهجرة النظامية وغير النظامية، والتنقل الناتج عن الفقر أو النزاع أو تغير المناخ أو الإرهاب أو الهجرة الاقتصادية.
و أكدت أن كل هذه الأسباب تجعل المُهاجرين عرضة للخطر، و أن تحليل البيانات هو الأساس لوضع السياسات، بدءًا من الوقاية، ثم الحماية، وصولًا إلى تقديم الإرشاد السياسي للدول، وهو ما يشكّل جوهر عمل المرصد الإفريقي للهجرة، الذي يستند إلى ثلاث ركائز: توحيد منهجية جمع البيانات، التحليل، وتقديم المشورة السياسية للدول الأعضاء، إلى جانب بناء القدرات الوطنية والإقليمية.
و أوضحت أن المرصد بدأ مُؤخرًا شراكة مع UNODC لتنفيذ حملات توعية ومشروعات تدريبية في عدد من الدول الإفريقية، تتضمن إدماج بُعد الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين في برامج بناء القدرات، بالتعاون مع منظمات مثل IOM والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. و أشارت إلى أن الشراكة ستُخصص أيضًا مساحة لـ UNODC لتوضيح كيفية جمع البيانات عن هذه الجرائم، و التحديات المصاحبة، و تقديم المشورة للسلطات حول كيفية التعامل معها.
و في هذا الإطار، كشفت السفيرة عن أن هناك مركزًا عملياتيًا للإتحاد الإفريقي كان من المقرر إفتتاحه في الخرطوم لمتابعة قضايا الإتجار و تهريب المُهاجرين من زاوية ميدانية، لكن الحرب في السودان عطّلت افتتاحه، فانتقل مديره مُؤقتًا إلى مقر الإتحاد في أديس أبابا، مُشيرة إلى أن المرصد يكمل دور هذا المركز من ناحية المعرفة والبيانات، في تكاملٍ بين الرؤية التحليلية و العملياتية.
و ختمت السفيرة بالتأكيد على أن وجود مرصد إفريقي داخل الإتحاد أمر حاسم، لأن معظم السرديات حول الهجرة الإفريقية لا تأتي من داخل القارة، مما يؤدي إلى تبنّي رؤى خارجية لا تعكس الواقع بدقة، وقالت: “لكي نخدم شعوبنا بسياسات واقعية قائمة على أدلة، نحتاج إلى بيانات دقيقة ننتجها بأنفسنا، ونعرف من خلالها حجم الظاهرة، و أسبابها، و مساراتها”.
وقد أدار الجلسة فابريتسيو سارّيكا منسق البحوث بشأن الإتجار بالأشخاص و تهريب المهاجرين في فرع البحوث وتحليل الاتجاهات بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات و الجريمة (UNODC)، و شارك في الجلسة كل من ستيني لورسن، كبيرة محللي البيانات في IOM، وغادي سايوفيتشي، كبير الاقتصاديين في ILO، وتركز النقاش حول تعزيز منهجية جمع البيانات حول الاتجار بالأشخاص باستخدام نظام المؤشرات الإدارية (IC‑TiP) المعتمد من الأمم المتحدة، مع تركيز خاص على القارة الإفريقية التي كانت حتى وقت قريب الأقل حظًا في توافر البيانات الميدانية الموثوقة.