مقالات

شهبندر التجار.. الحاج محمود العربي

بقلم / محمد جمال موسي

رغم صعوبات البدايات التي تواجه الأشخاص إلا أن النهايات يحددها الشخص بطموحه وإصراره وعزيمته، وهناك أشخاص يشتغلون بأعمال الخير ولا يعلنون عن ذلك من باب عدم الرياء، وإذا كان هؤلاء يمتلكون المال، فتكون فرصة تراكم أعمال الخير كثيرة ومتعددة، وغالباً لا يلتفت أحداً لهؤلاء النوعية القادرة علي العطاء إلا بعد الوفاة، حيث تظهر تلك الأعمال شاهده علي مسيرة العطاء.
ولد شهبندر التجار عام ١٩٣٢م، بقرية أبو رقبة مركز أشمون التابعة لمحافظة المنوفية، والده كان مزارعاً مستأجراً يزرع أرضاً ليست ملكه، ومن عادات وتقاليد القرية تعليم الأطفال القرآن الكريم في كُتاب القرية، فالتحق العربي بكُتاب القرية في سن ثلاث سنوات، واقتصر علي تعليم القرآن ولم يلتحق بالمدرسة بسبب ظروف والده الإقتصادية.
اعتمد العربي علي نفسه في بداياته فعمل بائع في متجر، وظهر لديه ميل للتجارة منذ صغره، فكان يبيع لعب الأطفال في العيد أمام منزله بقرية أبورقبة، وبعدها ذهب الي القاهرة وعمل بالموسكي بائعاً من محل لمحل، ثم اشتري وشريك له محلاً بالموسكي وبدأ التحول من عامل لصاحب عمل، ولم ينس حق الشريك ولاحق الفقير فكان في ماله حق معلوم للسائل والمحروم، وعلي ذلك النهج صار العربي حتي حصل علي توكيل كبري الشركات اليابانية، وكان هدفه أن يتحول من رجل تجارة إلي رجل صناعة، وهمه أن يفتح أكبر قدر من البيوت بزياده عدد العاملين معه.
واجه العربي صعوبات الحياة بمراعاة الله في كل شئ والصبر والعمل والإجتهاد حقق طموحاته، فترك إرثاً إقتصادياً وخدمياً عظيماً؛ أما الإرث الإقتصادي فهو مجموعة شركات ومصانع العربي، والإرث الخدمي ظهر بقوة في قريته أبورقبة، فهذا الرجل مرتبطاً بأهل قريته وله دور حقيقي وعظيم في تنمية مسقط رأسة، فكان يساهم في أي منشأة تتم في القرية سواء المجمع التعليمي النموذجي وصولاً إلي معهد تحفيظ القرآن الكريم، وحول منزله الخاص في قريته الي مسجد وجزء آخر إلي مستوصف طيبي مجاني لأبناء قريته، وفي جائحة كورونا ومع غلق مكاتب تحفيظ القرآن لعدم انتشار الفيروس، حول مكاتب التحفيظ إلي مستشفي عزل مجاني لمرضي كورونا، بالإضافة إلي المستشفي العالمية في قرية أبورقبة مستشفي العربي.
حرص علي توطيد علاقته مع ربه، فوطد الله علاقة خلقه به، فظهرت جنازته وأنها تشبة المليونية في حب الفقيد، مشهد تقشعر له الأبدان، وحين تشاهد جنازته في مسقط رأسة تتأكد أنه كان بمثابه الأب الروحي لجميع أبناء قريته، فأعماله الخيرية طالت جميع البيوت في القرية، بالإضافة إلي تشغيل الشباب في الشركات والمصانع ومستشفي العربي.
أنشأ مكتب تحفيظ القرآن لإبناء قريته لأنه يؤمن أن كتاب الله هو المرجع الأساسي لجميع أمور الحياة، وهو المنهج السليم في كافة التعاملات.
ترك العربي تجربة ثرية لإسهامات القطاع الخاص في تعزيز بنية الإقتصاد القومي، وتحقيق التنمية وتوفير فرص عمل للشباب، والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة في النهوض بالصناعة الوطنية.
وصل الحاج محمود العربي إلي القمة في التجارة والصناعة بالصبر والعمل وعلاقته الطيبة بربه، فتجار مع الله فكسب الدنيا والأخرة، فبرحيله فقدت مصر أحد رموز الصناعة والتجارو والإقتصاد الوطنيين الذين تركوا بصمة في السوق المصرية وتحسين العلاقات التجارية بالأسواق الخارجية، وسيذكره التاريخ بأحروف من نور في إخلاصه وحبه لوطنه.

من أقواله: “حينما أسئل عن صفات التاجر أجد نفسي أميل إلي هذا التعريف النابع من حروف كلمة تاجر ذاتها، فالتاء…تقوي، والألف… أمانة، والجيم… جرأة، والراء… رحمة أو رفق”.
رحم الله الحاج محمود العربي، وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى