مقالات

أخطاء قانونية تدمّر الشركات قبل أن تبدأ

بقلم الأستاذة/ أمل أصلان
محامية ومستشارة قانونية متخصصة في تأسيس الشركات والاستثمار

في عالم المال والأعمال، لا تبدأ قصة النجاح من الأرباح، بل من الأساس القانوني السليم الذي تُبنى عليه الشركة.

كثير من المستثمرين ورواد الأعمال يندفعون إلى التأسيس بحماس كبير، لكنهم يغفلون عن أن أول ورقة تُوقّع هي التي تحدد مصير الشركة، لا أول صفقة تُبرم.

وفي ممارستي كمحامية متخصصة في شؤون الشركات، شاهدت العديد من الكيانات التي انهارت قبل أن تُكمل عامها الأول — لا بسبب فشل إداري أو خسارة تجارية، بل بسبب أخطاء قانونية قاتلة كان يمكن تفاديها بسهولة.

أولًا: التأسيس دون الشكل القانوني الصحيح

من أكثر الأخطاء شيوعًا أن يبدأ الشركاء نشاطهم بناءً على اتفاق شفهي أو ورقة غير موثقة، ظنًا منهم أن الثقة تغني عن التوثيق.
لكن قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 كان حاسمًا في هذا الشأن، إذ نصت المادة (2) منه على أن:

“لا تُنشأ الشركة إلا بعقد رسمي موثق، وإلا كانت باطلة.”

هذا النص لا يترك مجالًا للمرونة أو الأعذار، فالشركة التي لا تُوثَّق رسميًا تُعد باطلة من الناحية القانونية، ولا تتمتع بأي حماية أمام القضاء أو الغير، مهما بلغ حجم تعاملاتها أو رأس مالها.

ثانيًا: نسخ العقود الجاهزة دون تكييف قانوني

في عصر السرعة، يلجأ البعض إلى نسخ عقود جاهزة من الإنترنت أو من شركات أخرى، دون تكييفها مع طبيعة نشاطهم أو نوع كيانهم القانوني.
وهذا خطأ جسيم؛ لأن المادة (4) من قانون الشركات تنص على أن:

“تتمتع الشركة بالشخصية الاعتبارية من تاريخ قيدها في السجل التجاري، ويجب أن يتضمن النظام الأساسي طبيعة النشاط ومسؤوليات الإدارة.”

أي خطأ في تحديد النشاط أو توزيع الصلاحيات قد يؤدي إلى بطلان قرارات الإدارة أو الطعن في صحة العقود مستقبلًا، خاصة في حالات النزاع بين الشركاء أو المستثمرين.

ثالثًا: إهمال أحكام قانون الاستثمار

قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 منح الشركات مزايا كبيرة، من إعفاءات ضريبية إلى تسهيلات في تخصيص الأراضي، لكنه في المقابل وضع التزامات محددة يجب مراعاتها بدقة.
فالمادة (11) من القانون تنص على أن:

“تلتزم الشركات المستفيدة من الحوافز بإخطار الهيئة العامة للاستثمار بأي تعديل يطرأ على بياناتها خلال ثلاثين يومًا من تاريخ التعديل.”

تجاهل هذا الالتزام قد يؤدي إلى سحب الحوافز أو إلغاء الامتيازات الاستثمارية، وهو ما حدث بالفعل مع شركات فقدت ملايين الجنيهات بسبب تأخرها في الإخطار.

رابعًا: غياب المستشار القانوني منذ البداية

من المفارقات المؤسفة أن بعض رجال الأعمال يعتبرون المحامي “رفاهية” تُستدعى بعد وقوع المشكلة.

لكن الحقيقة أن المحامي الخبير في الشركات هو شريك استراتيجي في كل خطوة من مراحل التأسيس، لا مجرد جهة استشارية لاحقة.
فهو من يضمن أن تكون صياغة البنود محكمة، وأن تُحترم النصوص القانونية التي قد تحمي الشركة في المستقبل من نزاعات محتملة أو مسؤوليات غير متوقعة.

خلاصة القول

القانون ليس عائقًا أمام المستثمر، بل هو سور الأمان الذي يحمي استثماراته.
فالشركات الناجحة لا تُبنى على الحماس وحده، بل على العقود المحكمة، والالتزام بالقانون، والرؤية القانونية السليمة.

ولذلك، قبل أن تبدأ شركتك، لا تبحث فقط عن ممول أو شريك، بل ابحث أولًا عن محامٍ متمرس يفكر مثلك كرجل أعمال، ويحميك كمستشار قانوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى