900
900
مقالات

كل شيء قيل في “الشيء”!

بقلم / حسين نيازي

900
900

تبدأ “الشيء” بعثور الطفل “محروس” على جسم غريب يُطل من حفرة في أرض أبيه الفلاح “عواد”. يسرع محروس لأبيه الأرمل المنشغل مع زوجته المستقبلية “بهانة” في الحديث حول المستقبل، ويخبره بما وجد. يصاب “عواد” بالفزع عند رؤية “الشيء” غير محدد الملامح ولا يدري كيف يتصرف. يمر فلاحان، “حسنين ومحمدين” على المكان فيستغيث بهما “عواد”. يرى أحدهما في الجسم الغريب نذير فأل سيء يجب إخفاؤه والردم عليه، بينما يراه الثاني إشارة لخير عميم سيصيب “عواد” والبلد بأكملها، وينصحه باستخراجه من الأرض. لكن يتفق الإثنان على عدم مساعدة “عواد” في إخفاء “الشيء” أو إخراجه، فالتعامل مع جسم غامض غير مفهوم يجعلهما عرضة للخطر، خاصة أن الجسم ظهر في أرض “عواد” مما يجعله مسؤوليته وحده. وينهر “عواد” إبنه “محروس” لإلحاحه في النظر للحفرة والتساؤل عن ماهية “الشيء”.
يمر خفير العمدة على “عواد” ومن معه، يبدي تعجبه من “الشيء” الغامض ثم يهرع لإبلاغ العمدة بما رأى رغم توسلات “عواد” أن لا يفعل. فالخفير يخشى أن توجه له تهمة “عَلَم ولم يُبلغ”. وبينما تصيب الحيرة الواقفين يمر بهم إمام الجامع وتابعه العاطل فيستفتونه في أمر “الشيء”، فيطلقها الإمام مدوية أن ما وجدوه رجس من عمل الشيطان. وعندما يطالب أحدهم الشيخ بأن يقول “والله أعلم” ينهره ويتهمه في دينه.
يبدأ أهل القرية في التكالب على المكان لرؤية “الشيء”، وكل منهم يأخذ في الإدلاء برأيه حول ماهيته. تشم فيه فتاة رائحة قذرة، بينما تصف أخرى أن الرائحة المنبعثة من الشيء أشبه برائحة الياسمين. الأولى تنهر المتحرش الذي يحاول تحسس جسدها في الزحام، بينما تتظاهر الثانية أنها لم تشعر به. أما المرأة الحامل فتخشى على جنينها من أن يصيبه مكروه لرؤيتها “الشيء” وينصحها الجمع بطقس الزار لتبعد عن ما في بطنها أي أثر مكروه لما رأته. ويأتي بقال القرية حاملا السميط والبيض والكازوزة بعد أن تأكد أن الجمع حول “الشيء” سيستمر لفترة.
بعد تردد وبعد أن يلقي عدة أبيات غير مفهومة من الشعر يؤكد “حافظ” ذو الميول اليسارية أن “الشيء” قد وُضع في أرض “عواد” بفعل مخابرات أجنبية، وعندما يسألونه عن دافع الأجانب يجيب أنه لا يعرف، لكنها بالتأكيد دوافع شريرة. ويصل العمدة مصحوبا بالخفير، فيأمر بإسكات الجميع واستفتاء أهل العلم، ويرسل في طلب مهندس الري وحكيمة الوحدة الصحية. وعندما يبدي إمام الجامع إعتراضه مؤكدا أن “الشيء” نجس يطلب منه العمدة بلهجة آمرة أن يقول “الله أعلم” فيقولها على مضض.
تؤكد “الست الحكيمة” التي يلقبها أهل البلد بالـ “الداكتورة” أن “الشيء” حاليا ليس نافعا ولا ضارا لكنه قد يكون نافعا أو ضارا لاحقا، وتنصح بإجراء احترازي بالابتعاد عن الشيء قبل أن تذهب متقززة من روائح أجساد الأهالي المنوط بها علاجهم. أما مهندس الري الذي استاء من أن تبدي الحكيمة رأيها قبله، رغم أنه مهندس زراعي متخصص في الأرض حيث وُجد “الشيء”، فيؤكد نفس ما قالته الحكيمة لكن بألفاظ مختلفة.
مع انتشار خبر “الشيء” يأتي الثري “ممتاز” وزوجته لمعاينة الجسم الغامض. تلح الزوجة الارستقراطية على زوجها في ضرورة أن يشتري لها “الشيء” لكي يضيف لبيتها رونقا وتميزا. وعندما يلمس “ممتاز” الطمع في “عواد” لمبالغته في ثمن “الشيء”، يتفق مع تابع إمام المسجد العاطل ونشال القرية على سرقة “الشيء” ليلا.
يقرر العمدة مع تزايد الحيرة والقلق عند الأهالي أن يستعين بالمحافظ. يتصل بمكتب المحافظ الذي يطلب من العمدة المنسحق أمامه أن يأتي له بالـ “الشيء”. وبالطبع يرفض الأهالي التخلي عن “الشيء” الذي ظهر في بلدهم للحكومة لأنه قد يكون شيئا مباركا يجلب لهم النعمة، وعندما يعود العمدة للمحافظ بالرد يفزع الأخير ويؤكد أنه لم يكن يعرف أن “الشيء” له بركات ويقرر رفع الأمر للمسؤولين في العاصمة.
تطلب زوجة مدرس الإبتدائي “مرقس” أن يسمح لها بالذهاب لرؤية “الشيء” كبقية أهل القرية، لكن “مرقس” ينهرها ويذكرها أن لا شأن لهم بما يحدث في البلد، فهم من أسيوط ولن يرحب الأهالي بتدخلهم في شؤون البلد. ويلفت نظر الزوجة أن الفرصة سانحة أمامهما لقضاء وقت غرامي مستغلين انشغال عيون أهل القرية عنهم.
وبينما يواصل “عواد” التأكيد على ابنه “محروس” بالتوقف عن التساؤل عن ماهية “الشيء”، يمر طالب العلوم “عارف”. ويسخر الجميع من “عارف” الذي أعلن أنه لا يعرف ما هو “الشيء”، لكنه يحتاج لأخذ عينة منه لتحليلها ودراستها. وبالطبع يرفض “عواد” التنازل عن أي جزء من “الشيء” الذي وُجد في أرضه. ويستبشر الأهالي برأي “نصوحي” أبله القرية الذي أكد لهم أن “الشيء كويس”.
في المساء ترسل الحكومة فرقة من الجنود على رأسها ضابط شاب للتحفظ على “الشيء”. يتم صرف الناس بالقوة لبيوتهم وينتظر الضابط تعليمات الإدارة. في سكون الليل يتسلل “محروس” نحو الحفرة حيث “الشيء” مدفوعا بفضوله البريء، ويلتقي طالب العلم “عارف” الذي جاء بدوره ومعه كشاف وبعض المعدات وحبل لكي يأخذ عينة من “الشيء” ويدرسها. يطلب “عارف” من “محروس” أن يراقب له المكان حتى لا يشعر به أحد.
يتم القبض على “عارف” ويوجه له الضابط تهمة الانضمام لتنظيم سري. ثم تأتي الأوامر العليا بردم الحفرة على “الشيء”، وبينما يردمها الجنود يسمعون صوتا منبعثا منها فيعتقدون أنها مسكونة بالعفاريت. لذلك يأمرهم الضابط بصب الأسمنت على الحفرة درءً لأي مشاكل. ينفذون الأمر على عجلة ويمنعهم الذعر من التعرف على صوت “محروس” الذي يستغيث بعد أن نزل للحفرة للمس “الشيء”. تنتهي المهمة وتذهب فرقة الجنود مصطحبة “عارف” طالب العلوم لكي يلقى مصيره.
في الصباح يعود كل شيء كما كان، يمر الأهالي بأرض “عواد” الذي أخذ ينادي على ابنه “محروس” دون أن يلقى رداً. يمر عليه المدرس “مرقس” ويقول له “لو كنت أرسلته للمدرسة لما ضاع منك”، ثم يذكر “مرقس” نفسه أنه لا يجب أن يدس أنفه في شؤون الآخرين.
هكذا تنتهي مسرحية “لينين الرملي” القصيرة “الشيء”. كوميديا سوداء تلخص أزمة مجتمع بأكمله يرفض التعامل مع الظواهر العلمية بشكل علمي مفضلاً الردم عليها. فكل فئة تحاول تفسير الظاهرة وفقا لقناعاتها المسبقة أو استغلالها لمصلحتها.
“الشيء”ليس سوى رمزا للحقيقة التي يمكن للمجتمع إدراكها لو تخلص من أوهامه وأطماعه وتعامل معها كما هي ظاهرة أمامه. وتأتي النتيجة الحتمية لغياب المنهج العلمي والتهرب من المسؤولية في ضياع المستقبل، الذي اختار له المسرحي المصري الأبرز في سخرية بليغة إسم “محروس”.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى