كتبت : ياسمين عبده
بدت المنطقة على شفا انفجار عسكري، حيث تساقطت الصواريخ على تل أبيب وحيفا، لتُعيد شبح المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى الواجهة، لكن المفاجأة جاءت من أسواق النفط، التي اختارت الرهان على التهدئة لا التصعيد، فسجلت الأسعار تراجعًا ملحوظًا رغم المشهد المتوتر.
ففي تعاملات حذرة انخفضت أسعار النفط العالمية مع تراجع القلق بشأن احتمال توسع المواجهة إلى استهداف مباشر للبنية التحتية للطاقة في المنطقة.
وتراجع سعر خام برنت بمقدار 93 سنتًا، أو ما يعادل 1.3%، ليصل إلى 73.30 دولارًا للبرميل، فيما هبط الخام الأميركي الخفيف (WTI) بنحو 99 سنتًا أو بنسبة 1.4%، مسجلًا 71.99 دولارًا للبرميل.
هذا التراجع جاء بعد قفزة قوية يوم الجمعة الماضي، حيث صعدت الأسعار بأكثر من 7% لتلامس أعلى مستوياتها منذ يناير، مدفوعة بالمخاوف الجيوسياسية التي غذّتها التهديدات المتبادلة بين طهران وتل أبيب.
لكن ما غيّر المزاج العام للسوق، بحسب محللين، هو غياب الأضرار الفعلية على منشآت الإنتاج والتصدير. وقال هاري تشيلينغيريان، رئيس وحدة الأبحاث في شركة Onyx Capital، إن الأسواق تراقب الوضع عن كثب، لكنها لم تر حتى الآن مؤشرات على تعطل الإمدادات أو تهديد فعلي لحركة الملاحة في مضيق هرمز.
ورغم الضربات الصاروخية التي استهدفت مناطق سكنية في تل أبيب وحيفا، فإن البنية التحتية للطاقة بقيت خارج نطاق الاستهداف المباشر، وهو ما خفّف من رد الفعل في أسواق الخام.
في المقابل، كان التأثير ملحوظًا في قطاع الغاز، حيث أعلنت إيران تعليقًا جزئيًا للإنتاج في حقل “بارس الجنوبي”، بينما أوقفت إسرائيل تشغيل حقل “ليفياثان” البحري احترازيًا منذ الأسبوع الماضي.
وفي ظل هذا التوازن الهش بين التصعيد العسكري وضبط النفس الاقتصادي، يواصل المستثمرون مراقبة التطورات بترقّب، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا الهدوء النسبي مقدمة لعاصفة أكبر، أم مجرد فاصل مؤقت في مشهد متقلّب لا يمكن التنبؤ به.
رغم الهدوء النسبي في البنية التحتية للطاقة حتى الآن، لا تزال أعين الأسواق مركّزة على مضيق هرمز، الذي يُعد أحد أهم الشرايين الحيوية لإمدادات النفط العالمية. إذ يعبر من خلاله نحو 18 إلى 19 مليون برميل يوميًا، ما يعادل حوالي 20% من الاستهلاك العالمي اليومي، ما يجعله نقطة ضغط حساسة قادرة على إشعال أسعار الخام في أي لحظة.
المخاوف من تصعيد عسكري في هذه المنطقة الاستراتيجية تُبقي السوق في حالة تأهب، إذ يرى محللون أن مجرد التهديد بإغلاق المضيق كفيل بدفع الأسعار إلى مستويات مرتفعة، حتى في غياب ضربات مباشرة لمنشآت النفط. ووفقًا لتوشيتاكا تازاوا، المحلل في شركة Fujitomi Securities، فإن “الأسواق لا تحتاج أكثر من التلويح بالخطر في هرمز لتبدأ رد الفعل السريع”.
إيران، بحسب بيانات “أوبك”، تنتج حاليًا نحو 3.3 مليون برميل يوميًا، وتصدّر أكثر من مليوني برميل. ورغم وجود فائض إنتاجي لدى تحالف أوبك+ قد يساعد على تعويض أي انقطاع مؤقت في الإمدادات الإيرانية، إلا أن فقدان هذه الكمية من السوق العالمية سيترك أثرًا مباشرًا، لا سيما في آسيا.
من جانبه، أشار ريتشارد جوسويك، رئيس تحليلات النفط قصيرة الأجل في شركة S&P Global Commodity Insights، إلى أن توقف صادرات النفط الإيرانية سيُجبر المصافي الصينية – أكبر مشترٍ للنفط الإيراني – على التوجه لبدائل أخرى في الشرق الأوسط أو روسيا. وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، ويقلّص من هوامش أرباح المصافي الآسيوية.
وفي السياق ذاته، أظهرت بيانات رسمية صينية انخفاضًا بنسبة 1.8% في معدلات تكرير النفط الخام خلال شهر مايو على أساس سنوي، لتسجّل أدنى مستوى منذ أغسطس، في ظل أعمال صيانة موسعة شملت المصافي العامة والخاصة.
سياسيًا، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفاؤله بشأن التوصل إلى وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل، لكنه ألمح إلى أن بعض النزاعات “يجب أن تُحسم ميدانيًا أولًا”، مجددًا دعم بلاده الكامل لإسرائيل، دون التطرق إلى أي مطالبات واضحة بوقف الهجمات.
في المقابل، أفادت مصادر دبلوماسية بأن إيران رفضت مبادرات وقف إطلاق النار، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية، رغم وساطات تجريها كل من قطر وسلطنة عمان.
أما على المستوى الدولي، فقد أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن قمة مجموعة السبع (G7)، المقررة هذا الأسبوع في كندا، ستضع ملف التصعيد الإيراني الإسرائيلي على رأس جدول أعمالها، وسط مخاوف من تفجر أزمة طاقة عالمية إذا تطورت المواجهة.
ورغم التصعيد غير المسبوق، لا تزال الأسواق تتسم بالحذر النسبي، مع غياب أي تعطيل مباشر لتدفق الإمدادات. إلا أن أي تغيير في قواعد الاشتباك – خصوصًا في مضيق هرمز – قد يقلب المشهد رأسًا على عقب ويدفع بأسعار النفط إلى مستويات قياسية.