التطور التكنولوجي أصبح أمراً واقعاً في حياتنا، فأصبحت مواقع التواصل الإجتماعي وعلي رأسها “فيسبوك”، “تويتر” وغيرها، المصدر الرئيسي للأخبار ونشر المعلومات، ويعتمد علي تلك المواقع أغلبية الشباب لمعرفة الأخبار التي تحدث في العالم، فدقائق معدودة تكفي لينتشر الخبر كالنار في الهشيم خاصة بوجود زر” الشير”؛ الذي يسمح لأي شخص مشاركة معلومة سواء صحيحة أو شائعة مع متابعية في لحظات ودون قيود.
ظهور الشائعات يرتبط بتطبيقات السوشيال ميديا وخصوصا أن عدد مستخدميها بالمليارات، وسبب ظهورها يرجع لغياب المعلومات الصحيحة، وعدم وعي الجمهور بمدي قيمة الأخبار المتداولة، حيث أن كثير منهم يعتقد أن معلومات السوشيال ميديا حقيقية، وذلك يرجع إلي عدم وجود المعلومات الكافية حول القضايا المهمة التي تشغل الراي العام، فهي أسهل طريقة للوصول لأكبر عدد من الأفراد، فالشائعات خطر حقيقي يواجه كل دولة.
وتُشكل الشائعات والأكاذيب خطراً كبيراً يهدد استقرار الدولة وأمنها و أجهزتها، فهي قادرة علي خلق عالم من الفوضي والبلبلة في المجتمع، وتعمل علي نشر الذعر والرعب في نفوس المواطنين، وصرف نظرهم عن قضايا هامة؛ حيث
لم تعد مواقع التواصل الإجتماعي مجرد أداة للترفية وتحقيق التواصل بين الناس؛ بل أصبحت ساحة جديدة للحروب العالمية، ما نسمية حرب الجيل الرابع أو حرب الشائعات عبر السوشيال ميديا لنشر الأفكار والفتن والأخبار المضلة أو الأخبار الحقيقية المضخمة المبالغ فيها، الشائعات من أهم آدوات هذه الحرب، حتي أنها أصاحت بعدد من الأنظمة والزعماء والروؤساء كما حدث في الدول العربية، فلها قدرتها و أثارها السياسية علي المجتمع، وكما عايشنا أحداث ثورتي 25 يناير و30 يونيو والتي جاءت فكرتهم وتم تنفيذهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة الفيس بوك.
الشائعات سلاح غير شريف تستخدمه دول لإختراق عقول شعوب دول أخري، لتهدمها بأيدي أبنائها عن طريق اللعب بمفاهيم حرية التعببر، وتكميم الأفواه، وتغير الحقائق، وخلق الأزمات.. فنجد الرأي والرأي الآخر و الرأي الفارغ والرأي المضطرب والرأي المأجور مع غياب وعي الجمهور فتحدث الفوضي!
بالتالي من المفترض أن تقوم وسائل الإعلام بأدوار مهمة في الدولة، بل تعمل علي نشر السلام الإجتماعي ونشر الطمأنينة بين أفراد المجتمع، ولا تترك الساحة مفتوحة أمام الشائعات التي تهدم الأمن والترابط المجتمعي، فالشائعات مهما كانت غير منطقية فهي قابلة للإنتشار في المجتمع، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الإجتماعي، حيث يميل الجمهور لتصديق الفضيحة والفرقعة والغرائب مهما كانت تبدو غير منطقية.
يتناقل الجمهور الشائعة دون أن يدركوا أنهم ضحايا، وجناه في الوقت ذاته، إذن الشائعة تلقي أرضاً خصبة، وجماهير مشجعة، ووعياً منخفضاً وتعاليم دينية مفقودة، وقيماً أخلاقية معكوسة ضائعة، كل هذا يحتاج من الترسانة الإعلامية حشداً قوياً لمواجهه الشائعات بالمعرفة والعلم والمصداقية، وعدم الكلل والملل من ملاحقة الجماهير بالحقائق والمعرفة وحملات التوعية وتكذيب الشائعات.
لا تعتمد الشائعة على نقل الأخبارالكاذبة كلياً فقط، فأحياناً يكون الخبر في مجملة صحيحاً وبه بعض التفاصيل الكاذبة وبتكرارها تترسخ كما لو كأنها حقيقة، وقد تأتي الشائعة في صورة نفي لواقعة ما، لم تحدث من الأساس.
فعلي سبيل المثال كشفت قناة “إكسترا نيوز” منذ مايقرب من عام تقريباً حقيقة مظاهرات نزلة السمان التي عرضتها قنوات الإخوان التي تُبث من خارج مصر، هي في حقيقتها مظاهرات من تصوير وإخراج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي سعت لكشف كذب وتدليس تلك القنوات، فننشرتها تلك القنوات علي أنها مظاهرات حقيقية، لنشر الفرقة والخوف بين الشعب والنظام السياسي، وعلق أحد الإعلاميين قائلًا “الجماعة اللي بتقول الإعلام المهني، الشركة المتحدة بعتتلهم فيديو هدية، وبتقولهم كل سنة وأنتوا طيبين”.
كما لاتزال شائعات الوفاة تمثل ظاهرة مزعجة لعدد كبير من الفنانين، فهي تستمد قوتها وانتشارها من صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، فمثلاً يتعرض النجم عادل إمام عبر مواقع السوشيال ميديا كل فترة شائعة وفاته، أحياناً يكون بمجرد إصابته بأية متاعب صحية، وأحياناً بدون سبب! وتستمر وتكبر الشائعة إلي أن يتم التكذيب من أحد أفراد أسرته، ولم ينجو الإعلامي وائل الإبراشي من تلك الشائعات بعد إصابته بفيروس كورونا، فنقرأ علي تلك المواقع وفاته إلا أن يتم تكذيبها من أحد أفراد أسرته أو زملائه الإعلاميين، وغيرها من جرائم الشائعات؛ حيث قامت سيدة عقب سماعها شائعه بين جيرانها بأنها سيئة السمعة، بالتربص لجارها الذي بدا في نشر الشائعة عنها وطعنته خمس طعنات قاتلة أودت بحياته، بإستخدام سكين كانت قد أخفتها في حقيبتها.
ومن أهم مخاطر الشائعات التي تنشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي علي المجتمع، هي التحريف للحقائق والتزيف وهدم رموز الدولة، ومن ثم زعزعة الإستقرار في البلاد وإثارة الفتن، هو ما نلمسه في واقعنا من تصديق المستخدمين لأي خبر يُنشر عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فيجب علي الدولة وعلي وسائل الإعلام والمواقع الوطنية نشر الأخبار التي تتسم بالصحة والموضوعية والتأكد من صحة المعلومات والأخبار ومن دقة مصدرها، واستخدام تقنيات حديثة لرصد وتتبع مصادر الشائعات علي مواقع التواصل الإجتماعي ومروجيها ومحاسبتهم، وسرعة الرد علي تلك الشائعات بالأخبار والمعلومات الصحيحة وتكذيبها، وتجنب ثغرة عدم شفافية الإعلام والتي تنشر الشائعات من خلالها.
الشائعات أشد خطرًا على المجتمع من حروب الإرهاب ومواجهة الأعداء بالسلاح الحي، ولذلك يقع على عانق المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية مسئولية كبيرة، فيجب أن تتضافر جهودها لتهذيب النفوس وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية السوية وتهيئة المجتمع وتوعيته بألا يصدق أو يردد ما يشاهده من أخبار عبر مواقع التواصل الإجتماعي دون التأكد من مصداقيتها؛ وبث روح الثقة بين الشعب والنظام الحاكم لبناء الدولة، ويجب تبني وزارتي التعليم والتعليم العالي، وخصوصاً كليات الإعلام المُكلفة بوضع مقرر دراسي يتناول خطورة الشائعات وأثارها السلبية وكيفية التصدي لها ووضع قوانين صارمة للجرائم المعلوماتية، ونشر الشائعات وإيقافها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وإمكانية فرض ومضاعفة العقوبة علي مروجيها، ووضع نظام للرقابة القانونية علي شبكات التواصل الإجتماعي للسيطرة عليها والحد من انتشاها.