أبوبكرالديب يكتب : مصر والإمارات.. شراكة متجددة عبر 59 لقاءً وقمة

أكتب هذه السطور وأنا أتابع بإعجاب واعتزاز المسيرة الحافلة التي جمعت بين الشقيقتين مصر والإمارات، والتي تجسدت في 59 لقاءً وقمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وأخيه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، خلال أحد عشر عاماً متواصلة. هذه اللقاءات لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل جسور حقيقية للثقة والتعاون والتكامل بين بلدين يجمعهما تاريخ مشترك ورؤية مستقبلية متقاربة.
علاقات تاريخية تتجدد
منذ تأسيس دولة الإمارات على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان لمصر موقع خاص في قلب الإماراتيين. فقد دعمت القاهرة خطوات الاتحاد منذ اللحظة الأولى، واحتضنت الطاقات الإماراتية في التعليم والإدارة والصحة، فكان لمصر دور في بناء الكوادر الأولى للإمارات. ومع مرور السنين، لم تبهت هذه العلاقة، بل ازدادت رسوخاً مع قيادات متعاقبة تؤمن بأن مصير الشعبين واحد.
مرحلة السيسي – محمد بن زايد
منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة مصر عام 2014، برزت الإمارات كأقوى الداعمين لمصر في مسيرتها نحو الاستقرار بعد سنوات صعبة. في المقابل، رأت القاهرة في أبوظبي شريكاً استراتيجياً موثوقاً يقف إلى جانبها في قضايا الأمن القومي، والتنمية الاقتصادية، والدفاع عن القضايا العربية. وهنا جاءت اللقاءات المتعددة لتؤكد أن العلاقة ليست ظرفية، وإنما إستراتيجية راسخة.
رسائل عميقة
أن يجتمع قائدان بهذا العدد الكبير خلال 11 عاماً، فهذا مؤشر على عمق التواصل والتنسيق. كل لقاء كان يحمل رسالة واضحة بأن التشاور مستمر، وأن الملفات المطروحة ليست محلية فقط، بل إقليمية ودولية أيضاً. ففي هذه اللقاءات تمت مناقشة قضايا الأمن في الخليج، واستقرار ليبيا، ومستقبل اليمن، والتحديات في شرق المتوسط، وأمن الملاحة الدولية، وصولاً إلى قضايا الاقتصاد والطاقة والاستثمار.
كما حملت اللقاءات أبعاداً إنسانية وثقافية، حيث شهدت توقيع اتفاقيات في مجالات التعليم، الطاقة المتجددة، الزراعة، البنية التحتية، والابتكار. فالإمارات أصبحت اليوم أحد أكبر المستثمرين في السوق المصري، والمشاريع المشتركة تغطي قطاعات متعددة، بما فيها المدن الذكية والطاقة النظيفة.
شراكة في مواجهة التحديات
لم تكن السنوات الماضية سهلة على المنطقة العربية، فقد واجهت دولنا تهديدات الإرهاب والتطرف، وأزمات اقتصادية متتالية، وتحديات جيوسياسية متشابكة. لكن مصر والإمارات كانتا دوماً في خندق واحد، تدعمان بعضهما البعض وتعملان على حفظ استقرار المنطقة. وقد تجسد هذا بوضوح في الدعم الإماراتي لمصر خلال أزمات الطاقة والعملة، وفي مساندة مصر لمواقف الإمارات في القضايا الإقليمية.
البعد الاقتصادي.. استثمارات للمستقبل
أحد أبرز محاور اللقاءات كان الاقتصاد. إذ تجاوزت الاستثمارات الإماراتية في مصر عشرات المليارات من الدولارات، وتنوعت بين مشروعات عقارية وصناعية وزراعية، وصولاً إلى قطاعات التكنولوجيا المتقدمة. ومن الجانب الآخر، تسعى الشركات المصرية للتوسع في أسواق الإمارات والخليج، وهو ما يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين.
كما أطلقت اللقاءات المتكررة رسائل طمأنة للمستثمرين، بأن هناك إرادة سياسية قوية لتذليل العقبات وتوفير بيئة آمنة للاستثمار، وهو ما انعكس إيجابياً على تدفق رؤوس الأموال.
العمل المشترك إقليمياً
في القضايا الإقليمية، شكّلت مصر والإمارات محور اعتدال ورشد سياسي، يدعو للحلول السلمية ويرفض التدخلات الخارجية التي تهدد استقرار المنطقة. وفي كل المحافل الدولية، يظهر التنسيق المصري-الإماراتي واضحاً، سواء في الموقف من القضية الفلسطينية أو في الملفات السورية واليمنية والليبية. هذا التوافق يعزز قوة الموقف العربي ويدعم مفهوم الأمن القومي المشترك.
البعد الشعبي والإنساني
العلاقات بين مصر والإمارات ليست محصورة في القمم واللقاءات، بل تمتد إلى وجدان الشعبين. فهناك جالية مصرية كبيرة تعيش وتعمل في الإمارات، تساهم في نهضتها وتجد فيها بيئة حاضنة، بينما يحظى الإماراتيون في مصر بمحبة وتقدير خاص. وفي كل أزمة إنسانية أو كارثة طبيعية، نجد تضامناً متبادلاً وسريعاً بين الشعبين وقيادتيهما.
دبلوماسية متواصلة ومستقبل واعد
النظر إلى 59 لقاءً ليس فقط قراءة في الماضي، بل مؤشر لمستقبل أكثر إشراقاً. فالتحديات المقبلة في المنطقة – من التحولات الاقتصادية العالمية، إلى التغير المناخي، إلى الثورة التكنولوجية – تحتاج إلى شراكات قوية وموثوقة. ومصر والإمارات بما تمتلكانه من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي، مؤهلتان للعب دور محوري في صياغة مستقبل المنطقة.
من خلال متابعتي لهذه العلاقة المميزة، أستطيع القول إن مصر والإمارات نجحتا في بناء نموذج عربي متفرد، قوامه الثقة المتبادلة، والحرص على المصالح المشتركة، والعمل من أجل استقرار الشعوب. هذه العلاقة لم تُبنَ على العواطف فقط، بل على رؤية إستراتيجية واضحة. 59 لقاءً وقمة خلال 11 عاماً هي بمثابة 59 خطوة متدرجة نحو مزيد من التكامل، ورسالة للأمة العربية بأن التعاون هو الطريق الوحيد نحو التنمية والاستقرار.
إنني أؤمن أن القادم سيكون أكثر قوة، وأن مصر والإمارات ستظلان معاً في طليعة الدول التي تدافع عن مصالح المنطقة وتعمل من أجل مستقبل مشرق لشعوبها. وهذا الإرث من التعاون سيبقى شاهداً على حكمة القيادة وإرادة الشعوب.