خلال هذه المرحلة استعملت السينما كوسيلة لإستغلال الثروات الطبيعية للمغرب، و ديكورا يروق للمشاهد الأوروبي، بدءا من استغلال الخيمة، البئر، النخلة، الجمل، الكوخ،… وصولا إلى توظيف المغربي ممثلا ثانويا في أدوار تشوّه سمعته، تزاوج بين أعمال العبودية و السخرة كخادم، راقصة، لص(دور إيطو بلحسن في “فلم عرس الرّمال”)، و الأمثلة على ذلك عديدة، من أجل تلميع صورة المشهد السينمائي الإستعماري و تقديم المعمِّر كحامل للحضارة و جالب للتّقدم، ففي سنة 1919م تم تصوير أول فلم روائي مطوّل عنوانه “مكتوب” للمخرجين “بينشون” و “كوينتان”، وتميزت هذه المرحلة من تاريخ السينما بالمغرب بتصوير أزيد من 50 فلما قبل سنة 1956م أي قبل الإستقلال.
ولم يتم الاقتصار على اخراج أفلام روائية فقط، بل أنتجت أفلام وثائقية، حيث فطن النظام الإستعماري الفرنسي لتأثير السينما على المتلقي، لذلك قام بإنشاء عدد من القاعات السينمائية بمدن فاس، مراكش، الرباط و الدار البيضاء هذه الأخيرة وحدها احتوت على أربع قاعات سينمائية منذ 1915م، و كان مرتادوا هذه القاعات تشكلوا من الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب أو من بعض المغاربة الذين قادهم فضولهم لإكتشافها فأصبحوا يترددون عليها من حين لآخر، و هكذا تعرف المواطن المغربي على السينما و أصبح له ارتباط وجداني بها، مما سيساهم في ظهور انتاج سينمائي محلي و إنشاء صالات للعرض بعد الإستقلال.
وبالعودة إلى الطريقة التي انتشرت بها السينما، فقد جندت فرنسا في مطلع الثلاثينيات عدة قوافل سينمائية طافت المدن و القرى و المداشر لتمرير رسائل تخدم مصالح المعمِّر، معتمدة على خطاب سينمائي لإقناع كل فئآت المجتمع المغربي بعظمة فرنسا، و اعدادها لتقبُّل السيّاسة الفرنسية، وبهذه الطريقة تزايد إنتاج الأفلام، حيث يقدّر عدد الأفلام التي أُنتجت قبل سنة 1956م بأكثر من خمسين فلما، و برزت وجوه كثيرة من الممثلين والمغاربة في هذه الإنتاجات أمثال محمد بن رحال، و أحمد الوالي في فلم Meluca von dierose سنة 1932م، و الممثل مولاي إبراهيم بنبريك في فلم “ايطو” سنة 1934م، كما تألقت أفلام سينمائية كولونيالية أمثال “الباب السابع” (1947) و “عرس الرمال” (1948) للمخرج السينمائي (أندريه زووبادا)، و فلم” أطيللو” (عطيل) للمخرج (أورسرن ويلز)، الذي مثّل المغرب في مهرجان ” كان” و حصل على السعفة الذهبية سنة 1956م.
وهكذا تزايد إنتاج الأفلام المغربية فأنشأت مختبرات لمعالجتها، حيث أنشأ أستوديو السويسي بالرباط سنة 1944، و تأسس مبنى إداري للخدمات السينمائية بوزارة الإعلام، كما أسس المركز السينمائي المغربي، بهدف إنتاج أفلام سينمائية مغربية دات طبيعة سياحية كان أولها ” أبواب العالم الصحراوي” لمخرجه (روبرت فارلاي) سنة 1947م، و رغم ذلك عرفت هذه الأفلام فشلا كبيرا، ولم تحضى بثقة الجمهور المغربي الذي فضَّل الأفلام المصرية بدرجة أولى، و بدرجة أقل الأفلام الأمريكية المدبلجة إلى الفرنسية، و الأفلام الهندية، و يرجع الناقد السينمائي الفرنسي” غي هانييبل” الأمر لسببين، اولها : الأفلام لا تمثل واقع المواطن المغربي، والثاني : عجز الأفلام عن تملك الميلودراما لإستقطاب المتلقي.
و عرفت هذه المرحلة إنجاز أفلام عديدة منها :”ياسمينة” للمخرج (جان لوردي) ثم فلم “السمفونية البربرية” للمخرج (أندريه زووبادا) الذي اعتبر انتاج مشترك مغربي-فرنسي، ودفع المتلقي لإكتشاف المدينة الحمراء مراكش، و عرض الفلم في البداية ثلاث لقطات تبرز مميزات المغرب طبيعيا، حضارياو عمرانيا في مرحلة أواخر الأربعينيات، بدءا بمعلمة الكتبية، جبال الأطلس الكبير…،مرفوقة بتعليق يصف سحرها و جمالها.
رغم أن النظام الكولونيالي الذي كان يتعامل مع المغرب كفضاء خصب للإنتاج السينمائي و تسويقه، وصنِّف ما أنجزه السينمائيون الكولونياليون بأنه يدخل في نطاق “السينما الأهلية”، هذا النوع هو إستغلال للفضاء المغربي بأهاليه و معماره و حضارته و مظاهرهو عاداته و تقاليده، من أجل الترويج للأفلام عبر تقديم الغريب المدهش و المفارق، وبالتالي فهذه الحقبة الزمنية من تاريخ السينما اهتمت بالجانب الربحي وليس الفني، وهو ما قاد إلى إنتاج أفلام تدخل ضمن قائمة “الأفلام الإثنوغرافية”.