قراءة في الدورة ال 33 لمهرجان الموسيقي العربية : إحتفاء هزيل بأم كلثوم .. والأصوات الكلثومية لا تهتم بغناء أعمالها الكلاسيكية !!
مهرجان الموسيقي العربية تناسي الأغاني التراثية .. ويحافظ علي أغاني نجوم الحفلات !! .. غياب أساطين الطرب أبو العلا والخلعي وداوود حسني ومنيرة المهدية وسيد درويش !! .. المشاركة العربية تتراجع بثلاث أصوات " زبادي – الرباعي – جسار " !! .. وغياب تام للأصوات النسائية !! .. رفض مشاركة فرقة الحفني .. وتوصيات جوفاء لمؤتمر الموسيقي العربية !!.. .. ما هو سر لغز بناء وتشييد مسرح النافورة ثم هدمه !!!

بقلم : نادر أحمد
يظل مهرجان الموسيقي العربية الذي تنظمه دارالأوبرا المصرية تحت إشراف ورعاية وزارة الثقافة ،هو المهرجان الغنائي الوحيد المتبقي علي الساحة الفنية في مصر والذي يواصل رسالته بعد أن توقفت مسيرة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية منذ سنوات والذي كان ينظمه ويرعاه وزارة السياحة ، وأيضاً مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية والذي توقف مع إنتشار فيروس الكورونا ، لذا يصبح الإهتمام بتواجد وإستمرار دورات مهرجان الموسيقي العربية كل عام محط أنظار المهتمين بالموسيقي والغناء الأصيل ، خاصة أن رسالته الرئيسية هي الحفاظ علي الغناء والطرب الكلاسيكي ، وبالرغم أن من أهم أهداف المهرجان الموسيقي هو الحفاظ علي الهوية العربية والتراث ، إلا أنه في الأونة الأخيرة خرج عن المسار الذي بدأه علي يد مؤسسته الراحلة د.رتيبة الحفني .
جاءت الدورة ال 33 لمهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية ناجحة من الناحية الشكلية ، أي من الناحية التنظيمية والفنية والجماهيرية ، وتسابق المشاركين في الحفلات من نجوم مصر والدول العربية في تقديم أجمل أعمالهم الغنائية ” الخاصة ” والتي إعتاد الجمهور علي الإستماع إليها في حفلاتهم ، ولا يمكن تجاهل أن معظم حفلات النجوم في المهرجان قد حققت نجاحاً كبيراً وحضور مكثف من الجمهور، ولكن هؤلاء النجوم سواء المصريين أو العرب لا يقدمون في حفلاتهم سوي أغانيهم الخاصة التي يرددونها طوال العام في حفلات الأوبرا ، ولا يلتفتون لأعمال الرواد – والذي يقام المهرجان من أجل الحفاظ علي أعمالهم ، ليتحول هدف المهرجان من الحفاظ علي الفن الطربي الأصيل إلي الحفاظ علي الاغاني الخاصة للنجوم . !!
( وداعاً أساطين الطرب )
وتنحصر إستراتيجية مهرجان الموسيقي العربية في المقام الأول في الحفاظ علي التراث الموسيقي والغنائي القديم ، وتذكير الجمهور بزمن المجد الطربي الكلاسيكي الأصيل والإحتفاء به ، خاصة الأعمال المرتبطة بأساطين الغناء والتلحين منذ بدايات القرن العشرين أمثال سلامة حجازي وأبوالعلا محمد وداوود حسني وكامل الخلعي ومنيرة المهدية وزكريا أحمد ،والذين يعتبروا من أهم الشخصيات البارزة التي تركت بصمة واضحة في تاريخ الموسيقي العربية ، وبالرغم أن تلك الأسماء كانت وراء النهضة الموسيقية إلا أنه لم يتم تقديم أي عمل من أعمالهم في حفلات المهرجان .
وإمتد ذلك التجاهل إلي الفنان سيد درويش – والملقب بفنان الشعب – والذي إحتفلت به وزارة الثقافة منذ عامين بمرور 100 عام علي رحيله .. بل وإتخذت هذا العام 2025 – يوم رحيله – منتصف سبتمبر عيد للموسيقي ، فلم تنال أعماله أيضاً إهتمام إدارة المهرجان بتقديمها ، وهو الذي يعتبر من أبرز المجددين للموسيقي العربية ، فغابت المقامات والدور والقصيدة والمونولوج والطقطوقة والموشحات والأناشيد وغيرها من الأعمال التي كانت ضمن برامج المهرجان في جميع حفلاته ، ولم يعد لها الأن في الأونة الأخيرة أي تواجد . !!
( غياب دور اللجنة العليا )
ولا أعلم أين دور اللجنة العليا للمهرجان ، هل يتوقف فقط في وضع أسماء المطربين والمطربات المشاركين في الحفلات ؟؟ ، بالطبع لا ، لأن من أهم مهام اللجنة أن تتدخل في كل ما يؤديه مطرب الحفل ، وتحدد معه ما يغنيه في فقرته الغنائية ، وأن تفرض عليه أن يغني الأغاني القديمة المرتبطة بالدور والطقطوقة والقصيدة الكلاسيكية ، لأن طبيعة مهرجان الموسيقي العربية تختلف تماماً عن أي مهرجان أخر ، بل وأن تكون هناك نسبة محددة من أغانيه الخاصة في فقرته لا يجوز تعديها بأي حال من الأحوال ، فلا يعقل أن أسمع نفس الأغاني التي سبق أن سمعتها في حفلاته السابقة ، وسأستمع إليها في حفلاته القادمة برأس السنة أو في عيد الربيع أة غيرها من المناسبات ، لأنه في تلك الحالة لن يكون هناك فرق بين حفل المهرجان والحفلات الأخري التي هنا او هناك . !!
ولست أدري ما هي المعايير التي يتم من خلالها تكوين أعضاء اللجنة العليا والتي ضمت في دورة هذا العام أسماء جديدة لأول مرة ، في الوقت الذي يجب أن يضم أصحاب الخبرة في التعامل مع النجوم وكيفية إحضارهم لإحياء حفلات المهرجان ومن ثم الحفاظ علي قواعده مثل الموسيقار هاني شنودة ، والموسيقار منير الوسيمي نقيب الموسيقيين السابق ، والفنانة الكبيرة عفاف راضي ، ود.رضا رجب عميد معهد الموسيقي السابق ، وأيضاً الفنان جيهان مرسي .. وأذكرها هنا برغم إختلافي معها في أمور كثيرة إلا أنها دينامو فعال بالمهرجان وغيرهم ، ومن عجاءب اللجان أن تجد بعض الأسماء المنضمة للجنة العليا لمهرجان الموسيقي العربية ، منضمين أيضاً في اللجنة العليا لمهرجان القاهرة السينمائي ، بالرغم أن تخصص كلً منهما الفني بعيد عن الأخر !!
نعم نحن إفتقدنا الكثير برحيل الكبار الذين كانوا يتفقون مع النجوم العرب حتي أثناء إجتماع اللجنة ، مثل الموسيقار حلمي بكر الذي كان يتصل وهو جالس علي مقعده بالفنان صابر الرباعي وغيره ويتفق معه علي الحضور مجاناً للحفلات ، ومثله أيضاً الموسيقار جمال سلامة والذي كان يتفق مع الفنانة ماجدة الرومي علي المشاركة بالمهرجان بلا أجر حباً في مصر ، ومثلهم أيضاً د.رتيبة الحفني التي تتصل بالفنان وديع الصافي ويلبي طلبها بالحضور مع أبنائه عشقاً لمصر ، فمن من أعضاء اللجنة العليا الحالية عنده إمكانيات هؤلاء ، لقد وضح الفارق في قلة المشاركة العربية بالدورة الأخيرة للمهرجان ، فلأول مرة يشارك ثلاث أسماء عربية فقط في حفلات المهرجان ” اللبناني وائل جسار – والمغربي فؤاد زبادي – والتونسي صابر الرباعي ” بعدما كان يشارك في المهرجان علي الأقل عشرة أسماء عربية ، بل أنه لأول مرة تغيب أيضاً المشاركة النسائية فلم يكن هناك أي صوت نسائي عربي . !!
( إحتفاء هزيل بأم كلثوم )
وفي إطار الإحتفاء بشخصية المهرجان السيدة كوكب الشرق أم كلثوم ،لم يكن الإحتفاء بقدر قيمة الشخصية المكرمة ، فكنت أنتظر أن تعطي إدارة المهرجان تعليمات وتوجيهات لكل قائد موسيقي بكل حفل بأن يقدم في إفتتاحية الحفل مقطوعة موسيقية من أعمال أم كلثوم وما أكثرها من مؤلفات رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمد القصبجي حيث كان يتباري هؤلاء في تقديم مقدمات موسيقية رائعة لكل أغنية كلثومية ، ولم يحدث ذلك سوي في حفلتين .
بل أن الفيلم القصير الذي عرض في إفتتاح المهرجان ومدته لم تتعدي الثلاث دقائق – والذي أطلق عليه فيلم تسجيلي – كان عبارة عن تجميع للقطات لأم كلثوم في حفلاتها أو سفرياتها أو لقاءاتها قد شاهدناها من قبل عدة مرات علي شبكة الإنترينت ، حتي التعليقات داخل الفيلم القصير كانت لفنانين وشعراء راحلين منذ سنوات ، أي أنه لا يوجد أي جهد يستحق أن ينسب لمعده ، ولا أدري كيف وافقت اللجنة التحضيرية أو العليا علي هذا العرض الهزيل . !!
( أين أغاني أم كلثوم الكلاسيكية ؟؟ )
.. وما زالت فرق الأوبرا لا تلتفت للأغاني القديمة لأم كلثوم سواء في المهرجان أو علي مدار العام ، فجميع مطربي ومطربات الأوبرا وأيضاً نجوم الحفل لا يلتفتون أبداً لتراث أم كلثوم القديم والذي بدأته منذ عشرينات القرن الماضي ، فلا يوجد في برنامج الحفلات أي أغاني لكوكب الشرق في فترة الثلاثينات أو الأربعينات ، فجميع الأغاني التي قدمت في الحفلات من زمن الستينات والسبعينات ، وهو ما أطلق عليه الأغاني الحديثة ، وهو نوع من التساهيل في الأداء سواء للأصوات المشاركة أو للعازفين وأيضاً المايسترو. !!
قدم علي مدار أيام المهرجان دستة اغاني فقط لأم كلثوم في جميع حفلات المهرجان والتي وصلت إلي 25 حفل بمسارح الأوبرا الخمس ( النافورة – الجمهورية – معهد الموسيقي – سيد درويش – دمنهور ) وأنحصرت في حقبتي الستينات والسبعينات ، بل أن هناك أغنيات تكررت مع النجوم في حفلاتهم مثل قصيدة ” ألف ليلة وليلة ” قدمتها الفنانة أمال ماهر في الإفتتاح ، وبعدها بيومان الفنان اللبناني وائل جسار ، ثم مي فاروق ، ونادية مصطفي التي كررتها في حفلتيها بمسرح الجمهورية وسيد درويش ، كما غنت ريهام عبدالحكيم ومي فاروق أغنية ” بعيد عنك ” ، ورحاب مطاوع وأية عبدالله أغنية ” أمل حياتي ” ، وصابر الرباعي وسعيد عثمان ” ودارت الأيام ” ، بالرغم أن تلك الفترة تمتلك أم كلثوم أغنيات لا يتم ترديدها علي المسارح وكانت فرصة تقديمهافي إحتفاليتها أمثال : يا مسهرني – هذه ليلتي – أراك عصي الدمع – هو صحيح الهوي غلاب .
وفي محاولة لإعادة تذكر الأغنيات القديمة لأم كلثوم والمحببة في فترتي العشرينات والثلاثينات أذكر البعد طال – حبيت ولا بانش عليا – شفت بعيني ومما حدش قاللي – روحي وروحك – محتار ياناس – إفرح يا قلبي – بكره السفر – ياليلة العيد – ياقلبي كان مالك ، وفي فترتي الأربعينات والخمسينات هناك أغاني وقصائد منسية أيضاً مثل : رق الحبيب – حاقابله بكره – أنا في إنتظارك – ما دام تحب بتنكر ليه – قل لي ولا تخبيش يازين ، هجرتك ياظالمني – شمس الأصيل وغيرهم من الأعمال الخالدة .
( رفض تواجد فرقة الحفني )
ومن بين غرائب وعجائب دورة المهرجان ال 33 ، أن إشترك في حفلاته الموسيقية لهذا العام 21 فرقة موسيقية ، ما بين فرق تابعة لدارالأوبرا ، أو فرق خاصة ، أو أخري تبحث عن متنفس لها من خلال المهرجان الهام ، وهو عدد كبير للغاية بالمقارنة في سنواته الأولي تقتصر الحفلات علي خمسة أو ستة فرق موسيقية ، وبالرغم من هذا العدد إلا أن إدارة المهرجان رفضت ضم فرقة الحفني للموسيقي العربية في دورة المهرجان ، وهي الفرقة التي أسستها د.رتيبة الحفني مؤسسة المهرجان ، فماذا يسمي هذا الرفض او التجاهل ، هل هي محاولة لطمس إسم رتيبة الحفني علي مدي السنوات القادمة ، وهل ما يحدث هو عرفان الجميل لسيدة رحلت وبذلت الكثير في إقامة المهرجان ونجاحه ، لقد تجاهلوا نداءات وتحايلات إبنة د.رتيبة الحفني والمشرفة علي نشاط الفرقة ، ليصبح غياب فرقة الحفني نقطة سوداء في جبين المسئولين لدزرة هذا العام . !!
وبعيداً عن الحفلات وما يقدم بداخلها يظل مسرح النافورة لغز ، دفع العاملون بدارالأوبرا يتسائلون عن جدوي بناء وتشييد مسرح النافورة ، ثم هدمه بعد أيام المهرجان ، خاصة ان بناء المسرح يكلف الملايين ، بل أن إزالته به تكلفة أيضاً ، وهو ما يحدث كل عام أو كل دورة ، فهل هذا يدخل في نطاق إهدار المال العام ؟؟!!
( توصيات جوفاء لمؤتمر الموسيقي )
ويتبقي مؤتمر الموسيقي العربية الذي يقام كل عام بالمسرح الصغير علي هامش المهرجان ، فالمؤتمر في الشكل العام هام علمياً ، حيث يتم إلقاء بحوثه من قبل أساتذة كبار ومتخصصين في الموسيقي والغناء ، سواء كانوا من مصر والدول العربية خاصة من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين وتونس والعراق ، وحقيقة يخرج المؤتمر بتوصيات لا تقل عن عشرة توصيات كل عام ، أي أن التوصيات تصل ما يقرب من 400 توصية علي مدار 33 دورة .
ويبقي السؤال هل تنفذ تلك التوصيات ؟ ، للأسف لم ينفذ سوي 10 % من تلك التوصيات ، وذلك يرجع لعدم وجود الية ما لمتابعة تلك التوصيات الهامة سواء في مصر أوالدول العربية ، لنعود مرة أخري ما جدوي ذلك المؤتمر بلا تنفيذ توصياته ، وإستضافة عدة شخصيات من هنا وهناك ،
وأعتقد إذا كان ولا بد من إقامة المؤتمر فلما لا يقام من خلال الدائرة المغلقة ، وكل باحث يتحدث ويناقش من بلد إقامته ، خاصة أن هناك تجربة أقيمت من قبل في العام الذي إنتشر خلاله مرض الكورونا ، فإقتصر المهرجان علي مواصلة مؤتمره من خلال الدائرة المغلقة يتحدث فيها كل باحث من بلده . !!
في النهاية .. لقد تعايشت مع مهرجان الموسيقي العربية منذ دورته الثانية حتي الأن ، ولم أتأخر عن حضور دوراته منذ عهد الراحل د.ناصر الأنصاري ، مروراً بالمايسترو د.مصطفي ناجي ود.سمير فرج ، ثم الراحل د.عبدالمنعم كامل ، ود.إيناس عبدالدايم ، وإنتهاء بالفنانة د. لمياء زايد ثم المايسترو د.علاء عبدالسلام ، ولذا فأعتقد أنني أمتلك ذخيرة من المعلومات التي تجعلني أكتب تلك السطور ، وأامل أن نجد حلولاً لها ؟!!















