مقالات

أمل شهاب تكتب : فِي جُزُرِ الْأَرْوَاحِ الْمُنْعَزِلَةِ

وَسَطَ أَمْواجِ الحَيَاةِ العَاتِيَةِ وَجَدْنا أَنْفُسَنا نُبْحِرُ إِلَى جُزُرٍ وَطُرُقٍ مُنْعَزِلَةٍ، كُلٌّ مِنَّا أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِرَوَابِطَ مِنْ صَدَإِ الزَّمَانِ وَاحْتَفَظَ بِمِفْتَاحٍ ضَاعَ بَيْنَ أَرْوِقَةِ النَّفْسِ.

البَعْضُ انْكفَأَ عَلَى مَفْهُومٍ غَرِيبٍ دَخِيلٍ يُرَدِّدُ بِصَوْتٍ مَبْحُوحٍ: (مَصْلَحَتِي وَمَا بَعْدَهَا الطُّوفَانُ)، فَجَعَلَ مِنْ نَفْسِهِ مِحْوَرَ الكَوْنِ وَسَدَّ عَلَيْهِ بَابَ الرَّحْمَةِ.
أَمَّا البَعْضُ الآخَرُ فَقَدِ اخْتَارَ العُزْلَةَ حَلًّا، يَرْفَعُ أَسْوَارًا مِنَ الوَهْمِ خَوْفًا مِنَ الحَسَدِ وَالعَيْنِ، هَارِبًا مِنْ ظِلَالِ السِّحْرِ وَأَطْيَافِ الشَّرِّ، لَكِنَّهُ فِي عُزْلَتِهِ ضَيَّعَ مِفْتَاحَ الفَرَجِ، فَبَاتَتْ جَزِيرَتُهُ قَفَصًا بِلَا رُوحٍ وَسَكَنَتْ نَفْسُهُ خَوْفًا لَا حَيَاةَ فِيهَا.
ثُمَّ هُنَاكَ مَنْ صَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ إِطَارًا عَاجِيًّا يَنْظُرُونَ مِنْ خِلَالِهِ إِلَى الآخَرِينَ بِعَيْنٍ بَارِدَةٍ، يَرَوْنَ فِي ظُرُوفِهِمْ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَبَاءً أَوْ جُرْثُومَةً تُلَوِّثُ عَالَمَهُمُ المِثَالِيَّ… فَحَجَّمُوا تَوَاجُدَ هَؤُلَاءِ وَأَبْعَدُوهُمْ بِطُرُقٍ مَهِينَةٍ غَيْرَ مُبَالِينَ بِخَوَاطِرِهِمْ الَّتِي اتَّكأُوا بِإِصْرَارٍ مَرَّاتٍ وَمَرَّات لِكَسْرِهَا.

لَقَدْ نَسِيَ هَؤُلَاءِ أَنَّ مَنْ يُعَانُونَ تِلْكَ الظُّرُوفَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَدٌ فِي صُنْعِهَا، بَلْ دَفَعُوا مِنْ رَاحَتِهِمْ… مِنْ عُمْرِهِمْ…حَيَاتِهِمْ وَمِنْ مَشَاعِرِهِمْ ثَمَنًا مِنَ الأَلَمِ وَالكَبَدِ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ هَؤُلَاءِ المُصِرُّونَ عَلَى كَسْرِهِمْ.

وَفِي هَذَا الرَّكْضِ المَحْمُومِ نَحْوَ دُنْيَا زَائِفَةٍ تَحَوَّلْنَا إِلَى مُسَافِرِينَ بِلَا هَدَفٍ، نَسْعَى لأَنْ نَكُونَ (الأَفْضَلَ فِينَا) لَكِنْ بِأَيِّ ثَمَنٍ؟!!!
فَرَّطْنَا فِي الثَّوَابِتِ الَّتِي خُلِقْنَا بِهَا وَلَهَا، فَرَّطْنَا فِي المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَنَسِينَا أَنَّ الأَفْعَالَ بِلَا رُوحٍ هِيَ كَالأَجْسَادِ بِلَا حَيَاةٍ.

تَرَاكَمَتِ الأَقْفَالُ عَلَى قُلُوبِنَا حَتَّى بَاتَتْ لَا تَعْرِفُ الرَّحْمَةَ وَلَا تَحْتَضِنُ المَوَدَّةَ وَصَارَتِ الأَفْعَالُ حَرَكَاتٍ جَوْفَاءَ لَا تَرْقَى إِلَى مَعْنًى.

وَفِي النِّهَايَةِ، إِنْ لَمْ نَكْسِرْ تِلْكَ الأَقْفَالَ… إِنْ لَمْ نَعْثُرْ عَلَى المَفَاتِيحِ الَّتِي فَقَدْنَاهَا سَنَظَلُّ فِي هَذِهِ الجُزُرِ المُنْعَزِلَةِ وَالطُّرُقِ المَهْجُورَةِ، نَحْمِلُ دَاخِلَنَا أَرْوَاحًا تَائِهَةً تَبْحَثُ دَائِمًا عَنْ نُورٍ يُضِيءُ طَرِيقَهَا فِي ظُلْمَةِ الذَّاتِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى