رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الدعاء وأثره في تحقيق النصر

بقلم / المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
و رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لا يزال الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر قائما ومستمرًا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يزال أهل الكفر والباطل يمكرون ويكيدون للإسلام وأهله فيقتلون ويغتصبون وينهبون ويحرقون ويذبحون ويخربون ويعيثون فسادًا في بلاد الإسلام والمسلمين..
جرائم وجراحات هنا وهناك تُدمي القلوب وتدمع لها العيون، وتتفطر لها الأفئدة والأكباد، فمن الشرق إلى الغرب، تسمع صرخات الثكالى وأنين الأطفال والعجائز والشيوخ واليتامى الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.. لسان حالهم: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرًا، فالآهات والآلام متجددة وأفعال الكفرة والطغاة المجرمين في المسلمين متعددة ومتشابهة، وتجد الكفرة والمنافقين يجتمعون مع اختلافهم مللهم وأهدافهم ضد أهل الإيمان، يمزقون بلادهم ويتأمرون عليهم، ويسعون للقضاء عليهم.
وتجد عجبًا من بعض منْ ينتسب الإسلام لا يبالي بما يجري من حوله، ولا يهمه أمر المسلمين، إنما تهمه نفسه وشهواته، ولا يقدم لإخوانه حتى ولو دعوة في ظهر الغيب.
ولا يزال – بحمد الله – ثلةٌ من أهل الحق والإيمان يُعدون العدة المادية والمعنوية لصد العدوان، والذود عن الحرمات والأوطان، ويسعون لتحقيق النصر ودحض الباطل ومقاومة الطغيان.
ولا يزال النصر نازلاً من الله تعالى للمسلمين ماداموا محققين لنصرة الله ودينه، وباذلين لأسباب النصر الشرعية، إلا إن بعض المسلمين – هداهم الله – بذلوا الأسباب المادية، ونسوا أو تناسوا الأسباب الأكثر أهمية منها وهي التعلقُ والتضرعُ برب البرية، فمن حكم الله سبحانه وتعالى الظاهرة في إنزال المحن والبلاء أن يتضرع إليه العباد ويلجؤوا إليه كما قال جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 42، 43] وكما قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76].
فصار لزامًا أن يعلم المسلمون أن من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفع اليدين بالدعاء لله رب الأرض والسماء، الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف كربة المكروب إذا ناجاه، ويزيل الغم ويذهب الغم، ويحب العبد الأواه المنيب إليه وكل من دعاه، فلعل ذلك الدعاء من أكف بيضاء نقية، وقلوب صادقة وفيَّة، وأعين باكية تقيَّة تخفف من تلك المآسي التي أقلقت المسلمين وأقضَّت مضاجعهم، وقد علَّمنا أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “لا يردَّ القضاء إلاّ الدعاء” أخرجه الترمذي، وحسَّنه الألباني صحيح الجامع (7687).
فعليكم بالدعاء، فإنه من أسباب النصر على الأعداء، وخاصَّة إذا كان ذلك من عباد الله الضعفاء، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” أخرجه النسائي وصححه الألباني صحيح النسائي (2978).
إن الدعاء عباد الله هو سلاح المؤمنين الصادقين، وهو أقوى سلاح، والسلاح بضاربه، فكلما كان الداعي أخلص وأتقى وأقرب لربه كلما كان مستجاب الدعوة، وكان منصورا بإذن الله تعالى.
وقد غفل بعض المسلمين وللأسف عن ذلك السلاح العظيم والمنجي من بطش الأعداء، وتركوا الإلحاح على الله بأن يكشف الضر عن المسلمين وتركوا الانطراح بين يديه والانكباب عليه والتوجه إليه، مع ما يسمعونه ويشاهدونه من صرخات المكلومين وأنات الجرحى والمظلومين وصراخ المضطهدين في الشوارع والمساجد والمنازل وفي سجون الكفرة المجرمين.
يا للأسف حين يظن البعض بأنَّ المهم أن يستمعوا ويتناقلوا الأخبار عمَّا حصل ويحصل في بقاع المسلمين ثمَّ لا يفعل شيئًا ينصر به دينه ولو بالدعاء وهو أقل ما يستطيع! ويستهين بالدعاء الذي هو أحد أسباب النصر، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء..
ولابد للأمة الإسلامية حتى تنتصر وتصحو من سباتها، لابد لها من أخذ الأسباب كلها وبذلها وعدم إهمال شيء منها، فالدعاء جزء مهم لا يتجزأ من الأسباب الأخرى التي جعلها الله من أسباب النصر.
وقد كان للدعاء أثرٌ بالغ في إحراز النصر والثبات على الأمر، فلا يزال المسلمون المجاهدون في سبيل الله يستغيثون الله ويبتهلون إليه ويلجؤون إليه ويسألونه أن ينصرهم على عدوهم ويكف شره ويدحض مكره، وقد وعدهم الله بإجابة دعائهم ونصرهم على أعدائهم كما قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال – صلى الله عليه وسلم – قال: “الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم” رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما وحسنه الألباني الصحيحة 1820 صحيح ابن ماجة رقم 2884 -2339 وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته عند حضور النداء والصف في سبيل الله”. وفي لفظ: “ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يُلْحِمُ بعضهم بعضًا”رواه أبو داود وابن حبان قال الألباني في الكلم الطيب: حسن صحيح (صـ76). وقوله: “حين يُلْحِمُ بعضهم بعضًا” أي: حين تشتبك الحرب بينهم.
ولا يزال المسلمون في غزواتهم وحروبهم لأعدائهم يجمعون بين الأسباب كلها التي تحقق النصر بإذن الله تعالى، من طاعة الله تعالى وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعدم التنازع والصبر والتقوى والصدق والاجتماع والذكر وعدم التولي بوم الزحف، وتاريخهم وسيرهم مليئة بهذا، فقد سطر التاريخ أعظم وأروع الابتهالات والاستغاثات برب البريات من نفوس مؤمنة وقلوب واثقة بنصر ربها، فمجرد أن تدق ساعة الصفر ويلتحم الصفان يجأر المسلمون











