رئيس اتحادالوطن العربي الدولي يؤكد أن الماء أصل الحياة

بقلم / المفكر العربي خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
و رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من أعظم النعم التي يجب شكر الله تعالى عليها، والقيام بحقها نعمة الماء، وقد ورد ذكر “الماء” بمشتقاته في القرآن الكريم في نحو مئة وثلاث وستين مرة، وهذا يدل على عظيم قدره في حياة البشرية؛ فهو سر الوجود، وأرخص موجود، وأغلى مفقود.
هذه النعمة العظيمة التي جعلها الله تعالى أساس الحياة، ومصدر كل خير ونماء على وجه الأرض، فبالماء تحيا الأرض بعد موتها، وتنمو الزروع والثمار، وتشرب الناس والأنعام وسائر الكائنات، وبه تتطهر الأبدان والثياب.
وسوف نتعرف على نعمة الماء من خلال عدة أمور:
· الماء أصل كل حياة
قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: ٣٠]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ} [النور: ٤٥]، أراد أن خِلْقَة كل حيوان فيها ماء، كما خلق آدم من الماء والطين؛ ولا يستثنى الجن والملائكة، بل كل حيوان خلق من الماء؛ وخلق النار من الماء، وخلق الريح من الماء؛ إذ أول ما خلق الله تعالى من العالم الماء، ثم خلق منه كل شيء. [تفسير القرطبي].
وقال الإمام الزمخشري: معناه أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط، حتى الملائكة خلقت من ريح خلقها الله من الماء، والجن خلقت من نار خلقها الله من ماء، وآدم من تراب، وهذا التراب خلقه الله من ماء”. [الكشاف].
“فكل شيء حي بسبب من الماء، لا يحيا دونه، فيدخل فيه النبات والشجر والحيوان؛ لأنه من الماء صار ناميًا، وصار فيه الرطوبة والخضرة، والنور والثمر، وهذا أدل على القدرة، وأعظم في العبرة”. [محاسن التأويل، للقاسمي].
وعن سيدنا أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي إذا رأيتُك طابَتْ نَفسي، وقرَّتْ عيني، فأنبِئْني عن كُلِّ شَيءٍ، فقال: «كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ مِن ماءٍ». [رواه الحاكم].
قال الإمام الجاحظ في التفاضل بين الماء وغيره من الأشربة: “فالماء يُشرب صرفًا وممزوجًا، والأشربة لا تشرب صرفًا، ولا يُنتفع بها إلا بممازجة الماء، وهو بعد طهور الأبدان، وغسول الأدران، وقالوا: هو كالماء الذي يطهر كلّ شيء، ولا ينجّسه شيء … ومنه ما يكون منه الملح، والبرد، والثّلج، فيجتمع الحسن في العين، والكرم في البياض والصفاء، وحسن الموقع في النفس”. [الحيوان ٥/ ٨١].
ويربط حجة الإسلام الغزالي بين صفاء القلب ونقاء الماء، فيقول: “ولتكن صفوتك مع الله كصفوة الماء، فاغسل وجه قلبك عن النظر إلى غير الله تعالى، واغسل يدك عن الامتداد إلى غيره، وامسح رأسك عن الافتخار بغيره”. هذه المقولة الروحية العميقة تشبه نقاء العلاقة مع الله بصفاء الماء، وتدعو إلى تطهير القلب والجوارح من كل ما يشغل عن الله تعالى.
· الماء من أعظم نعم الله تعالى على العباد.
إن نِعَمَ الله تعالى كثيرة على العباد، ومن النعم التي لا يَلتفتُ إليها كثيرٌ من الناس نعمة الماء، فكم مرة يشرب الماء في اليوم؟ وكم مرة يزيل الدرَن عنه بالماء؟ وكم مرة يتوضأ ويتطهر؟ ولأجل وجوده الدائم واستعماله المستمر لا يُقَدر الإنسان نعمة الماء حقها، وكما قالوا: لا تعرف النعم إلا عند الفقد.
حتى عُدَّ الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: ٨]؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ – يَعْنِي: العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ “. [رواه الترمذي].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حفيًّا بتلك النعمة، يعظمها ويشكرها؛ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ، وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» [رواه أبو داود].
ولما دخل “ابنُ السَّمَّاك على الخليفة هارون الرشيد، فاستدعى هارون الرشيد ماءً في كوز ليشرب، قال ابنُ السماك: أسألك بالله ألاَّ تشرب حتى أسألك، قال: سل، قال: بالله لو منعوك هذه الشربة، أكنت مفتديها بنصف ملكك؟ قال: إي والله- وإلا فماذا يفيد الإنسان أن يموت وملكه وراءه- فشرب، قال: أسألك بالله لو مُنعْتَ إخراج هذه الشربة، أتخرجها بنصف ملكك؟ قال: إي والله، قال: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء وإخراجها”. [إحياء علوم الدين].
· سُقيا الماء شفاعة لك يوم القيامة.
يأتي العبدُ يوم القيامة ويجد ثواب سقيا الماء عظيما، حيث يشفع له في نجاته من النار، فعَنْ سيدنا أَنَسِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَصُفُّ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفُوفًا- وَقَالَ: ابْنُ نُمَيْرٍ أَهْلُ الْجَنَّةِ- فَيَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ اسْتَسْقَيْتَ فَسَقَيْتُكَ شَرْبَةً؟ قَالَ: فَيَشْفَعُ لَهُ، وَيَمُرُّ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ نَاوَلْتُكَ طَهُورًا؟ فَيَشْفَعُ لَهُ» [رواه ابن ماجه].
وعن سيدنا جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى [أي: لشدة حرها قد عطشت ويبست من العطش] مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [رواه ابن خزيمة].
وقال سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: “حين سُئل عن أفضل الصَّدَقة، قال: الماء: “ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾”.












