مقالات

تيك توك.. من منصة للترفيه إلى تهديد صامت يهدد القيم والمجتمع

بقلم / أ. أمل أصلان
المحامية بالإستئناف العالي ومجلس الدولة

لم يكن أحد يتوقع أن يتحول تطبيق “تيك توك” – الذي انطلق قبل سنوات كمنصة لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة – إلى أحد أكثر التطبيقات إثارة للجدل في العالم. ففي حين يجذب ملايين المستخدمين يوميًا، يثير في الوقت نفسه مخاوف متزايدة بشأن تأثيراته السلبية على المجتمع، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي تتمسك بعادات وقيم متجذّرة.

اليوم، لم يعد الأمر مجرد مقاطع رقص أو تحديات مرحة، بل أصبح التطبيق ساحة مفتوحة لمحتويات قد تصل إلى حد المساس بالأمن القومي، أو نشر الشائعات، أو بث مواد خادشة للحياء، وهو ما يضعه تحت مجهر القانون المصري بشكل مباشر.

من ترفيه بريء إلى محتوى مخل ومضلل

بدأ “تيك توك” كتطبيق ترفيهي، إلا أن طبيعة منصته وسهولة الانتشار الواسع جعلته بيئة خصبة لظهور أنواع مختلفة من المحتوى، أبرزها:
• مقاطع خادشة للحياء العام: حيث يقوم بعض المستخدمين بتصوير أنفسهم في أوضاع أو ملابس غير لائقة، بهدف جذب المشاهدات وتحقيق الربح.
• نشر الشائعات والأخبار الكاذبة: استغلال سرعة الانتشار لبث أخبار غير موثوقة أو مغلوطة بهدف التأثير على الرأي العام.
• الترويج لأفكار متطرفة أو سلوكيات خطرة: من خلال تحديات قد تؤدي إلى إصابة أو حتى وفاة المشاركين.

هذه الممارسات لم تعد تُثير الجدل المجتمعي فقط، بل أصبحت محل تجريم قانوني واضح في مصر.

الموقف القانوني المصري

القانون المصري تعامل بحزم مع هذه الظواهر من خلال عدة نصوص تشريعية، أبرزها:
1. قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018:
• المادة 25: تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري.
• المادة 27: تجرم إنشاء أو إدارة أو استخدام موقع أو حساب على شبكة معلوماتية بغرض ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا.
2. قانون العقوبات المصري:
• المادة 178: تعاقب بالحبس مدة تصل إلى سنتين وغرامة على كل من نشر أو صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع مواد منافية للآداب العامة.

هذه النصوص تمنح السلطات الحق في ملاحقة أي مستخدم أو صانع محتوى على “تيك توك” إذا قام بنشر مواد تخالف القيم أو تتضمن خدشًا للحياء أو بث أخبار كاذبة.

مسؤولية صانعي المحتوى

صانع المحتوى على “تيك توك” ليس مجرد مستخدم عادي؛ فهو يُعد فاعلًا أصليًا في الجريمة إذا نشر مواد مخالفة للقانون. كما أن تبرير هذه الأفعال بـ”الحرية الشخصية” لا يُعفي من المسؤولية، لأن حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية وحقوق الآخرين، وعند مخالفة القوانين المعمول بها.

أبعاد اجتماعية خطيرة

بعيدًا عن النصوص القانونية، فإن الخطر الأكبر يكمن في التأثير العميق على الثقافة والهوية:
• تطبيع السلوكيات غير المقبولة: المشاهد المتكررة للمحتوى المخل قد تؤدي إلى تقبل هذه الأفعال كأمر طبيعي.
• ضياع الوقت والإدمان الرقمي: حيث يقضي المستخدمون ساعات طويلة أمام شاشاتهم على حساب حياتهم الاجتماعية والمهنية.
• التأثير على النشء: المراهقون والأطفال الأكثر عرضة لتبني أفكار وسلوكيات غير مناسبة.

الحل بين القانون والتوعية

المواجهة لا تقتصر على العقوبات القانونية فقط، بل تحتاج إلى خطة متكاملة تشمل:
• تشديد الرقابة على المحتوى المنشور على المنصة.
• حملات توعية تشرح للمستخدمين – خاصة الشباب – مخاطر هذه التطبيقات.
• إعداد بدائل محلية توفر محتوى ترفيهيًا وتعليميًا في بيئة آمنة.

وأخيرًا وليس آخرًا

“تيك توك” أداة، يمكن أن تكون منصة إبداعية ملهمة أو قنبلة موقوتة تهدد المجتمع، وذلك يتوقف على كيفية استخدامها. القانون المصري واضح وصريح في حماية القيم والمجتمع من أي تجاوز، لكن يبقى الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول. فإذا اجتمع القانون والوعي، يمكننا أن نحافظ على فضائنا الرقمي نظيفًا وآمنًا للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى